هتكون الأخيرة طالما إنتي معايا لم تعرف بماذا تعلق فكل ما يفعله من تودد مقنع يوحي بانجذابه إليها اكتفت بالابتسام خجل ثم قامت بسحب يدها من أسفله في تحرج لتحدق في النافذة البيضاوية المجاورة لها وهي تشعر بتدافع دقات قلبها التصقت بشفتيها ابتسامة سعيدة للغاية لم تنجح في إخفائها وكيف لها أن تواري عن فرحة تشعر في أعماقها أنها باتت وشيكة الحدوث لفحتها برودة غير عادية عندما وطأت قدماها خارج المطار فضمت ياقتي معطفها الأسود ونظرت إلى السماء فكانت ملبدة بالغيوم الرمادية انكمشت على نفسها محاولة مقاومة إحساس البرد الذي تغلل إلى أطرافها وتفشى في جسدها كسرعة البرق
إليها وهي تسير بتعجل محاولة تصديق أنها حقا ستركب واحدة كتلك استقرت بالمقعد الخلفي إلى جواره وشعرت بشيء من الدفء يتسلل إليها غاصت بالمقعد وتركت شعور الانتشاء يلفها ثم ألقت نظرة مټألمة لما يطوف عليه بصرها عبر النافذة حقا بهر نظرها كل ما تعايشه من فخامة ورقي حتى في الاستقبال والمعاملة شعرت وكأنها ملكة متوجة والخدم يتراصون عند قدميها لتنفيذ كل ما ترغب فيه دون نقاش كم ودت أن تدوم هذه اللحظات إلى الأبد فلا تفيق من حلم الراحة والتدلل مطلقا آنئذ طاف ببالها لمحات مقتضبة لواقعها البائس في الحارة الشعبية وما بها من مظاهر بؤس وفقر مدقع بالكاد نفدت بجلدها وطفت على سطح ذلك المستنقع قبل أن تفر منه بأعجوبة آه لو لم تعاند وتتشبث بقرارها بالسفر لربما كانت الآن تجلس عند قدمي ذلك النقاش تدعكهما بالماء والملح ابتسمت في سخرية مريرة قبل أن تترك ما يزعجها جانبا وتركز كل اهتمامها على ما تنعم به حاليا أحضرها مهاب من شرودها الصامت بكلامه المرتب وهو يرتشف من كأس المشروب الملاصق لجانبه من السيارة احنا هنروح افتتاحية المؤتمر الأول وبعد كده هنطلع على الفندق نرتاح شوية تفاجأت بإقباله على شرب الخمر ووارت ذلك الشعور بالضيق خلف ابتسامة لبقة مرسومة بعناية هزت رأسها بتفهم فأكمل باسما وكأنه يقطع وعدا لها بس بعد كده هخدك في جولة بالبلد هنا ممكن تقولي فسحة على مزاجك بدت سعيدة بهذا الاقتراح وتكلمت في رعشة خفيفة أنا متخيلتش إن المكان ساقع كده أخبرها وهو يميل ناحيتها بعدما ترك كأسه في موضعه أوروبا معروفة بجوها البارد ثم أمسك بكفها ليحتضنه بين راحتيه نظرت له مدهوشة وقد صدمها بما يفعل لم يحرر يدها رغم محاولتها استعادتها وأطبق عليها بين أصابعه في قوة طفيفة ليدلك بشرتها برفق وفي حركة دائرية خفيفة قبل أن يرمقها بهذه النظرة القريبة وهو يهمس لها بإيحاء خطېر إنتي بس محتاجة تدفي شوية وأنا عارف حل ده إزاي طالعته عن كثب ميرسي يا د مهاب حضرتك إنسان قبل ما تكون دكتور أرادت تذكيره بما هو عليه بالنسبة لها ليستفيق من دوامة الخيالات التي استحوذت عليه جراء ما تجرع لدهشتها لم يتحرك وظل مائلا تجاهها ليخبرها بمكر بس معاكي بكون حد تاني خالص مختلف عن اللي اتعودت عليه كلامه المعسول وما على هذه الشاكلة من تنهيدات مفعمة بالأشواق والأمنيات اخترق وجدانها وأسكرها بلا شرب فرجت بشدة أن يحدث المراد وتتخذ علاقتهما إن كانت جادة حقا شكلا رسميا تحفظت في الرد عليه وهي تضع يدها على ياقة معطفها أنا مش واخدة عليك ضحك باستمتاع قبل أن يوضح لها احتجت على تبريره قائلة بشيء من الھجوم أظنه مايناسبنيش حافظ على بسمته المتسلية وهو يخبرها لأنك بس مش متعودة زادت من نقدها الحاد له وهي ترد عليه المفروض حضرتك دكتور مهم رئيس قسم الجراحة ومحتاج تكون مركز إزاي هتقدر تقوم بعملية وإنت يعني مش في وعيك أدار دفة الحديث المهاجم له ووجهها إلى شيء مغاير أراد به أن يصيب هدفه في مقټل دون عناء فسألها بجدية لا تخلو من الابتسام إنتي خاېفة عليا تحرجت نسبيا من نظراته وطريقة سؤاله فتنحنحت قبل أن ترد حاجة زي كده ليزيد من حبك حبائله الماكرة عليها أوهمها أنه يخشى من إغضابها فضغط على زر فتح النافذة الملاصقة له لتبصره وهو يمسك بالكأس ليلقي به ومن ورائه زجاجة الخمر انفرجت شفتاها في دهشة أكبر فأغلق النافذة واستطرد قائلا بهذه النبرة العذبة وعيناه لا تحيدان على تأمل وجهها أنا حقيقي محظوظ إن بقى في حياتي واحدة زيك تهتم بيا عادة محدش بيقولي لأ أو حتى بيفكر يعارضني عاد شعورها بالنشوة يغمرها من رأسها لأخمص قدميها انطلت عليه خدعته وظنت أنها ذات تأثير قوي عليه فقالت بثقة مغترة ده لأنهم مش أنا قال مؤكدا لها بنظرة عميقة إنتي فعلا مختلفة تباطأت سرعة السيارة فالتفتت لناحيتها لتمعن النظر خارج النافذة رأت إحدى واجهات الفنادق العريقة تحجب السماء عنها فتساءلت باهتمام هو احنا وصلنا قال وهو يستعد للنزول من السيارة أيوه يالا بينا تبعته بعينيها المتشوقتين وهو يترجل قبلها ليقوم أحدهم باستقباله في حفاوة وكأن نجما لامعا قد جاء في زيارة رسمية إلى هنا ليسرع بعدئذ أحد العاملين بهذا الفندق لفتح بابها حتى تهبط هي الأخرى تضاعف شعورها المستمتع بما يقدمه الحظ لها في غفلة من الزمن تعهدت لنفسها بعزيمة وهي تنتصب بكتفيها في كبرياء ورفعة ونظراتها تصبو إلى ما هو أبعد بكرة أخليه يتغير ويعمل اللي أنا عاوزاه يتبع الفصل السادس الفصل السادس الاشتياق المر فرغ المصلون من أداء صلاة العصر ليجتمعوا بعدئذ في الخلفية على شكل حلقات دائرية ليحيطوا بأحدهم وعلى وجوههم ابتسامات سعيدة ومبتهجة فاليوم هو موعد عقد قران بدري على من اختارها لتكون شريكته في الحياة تأنق الأخير في ثياب جديدة تمثلت في سروال من القماش ذي اللون الرمادي ومن فوقه وضع قميصا أبيض اللون جلس القرفصاء بجوار المأذون ومن خلفه جثا عوض على ركبتيه واستند بيده على كتفه ليدعمه قبل أن يستطرد متحدثا ربنا يجعلها جوازة الهنا عليك رد باسما يا رب بدأت المراسم بعد قراءة الفاتحة والابتهال للمولى عز وجل بينما انتظرت النساء في المصلى الخاص بالسيدات يترقبن بحماس وتلهف إتمام العقد على خير كانت فردوس قد ارتدت وعريضة تغاضت عن النظرات غير المريحة من والدة عريسها وحادت ببصرها عنها لتركز في الأرابسك الخشبي الفاصل بين جزء الرجال ومصلى السيدات محاولة رؤية ما يحدث عبر الفتحات الصغيرة الضيقة التفتت ناظرة إلى أمها عندما مالت عليها لتخاطبها في أذنها بشيء من الحزن مش كنا عرفنا أختك تأملتها بنظرات شبه مغتاظة وردت بلا أدنى ذرة تعاطف هي يعني كانت اتصلت ولا سألت من ساعة آخر مرة أصرت عقيلة على إيجاد المبررات لجفاء ابنتها المتواصل فقالت أهوو كنا بعتنا ليها جواب على الأقل بدل ما تبقى آخر من يعلم بجوازك صدقيني يامه احنا مش فارقين معاها ولا حتى جايين في دماغها أصلا ربنا يردك يا بنتي بالسلامة حادت فردوس ببصرها عن أمها وتطلعت إلى خشب الأرابسك لتردد بسخط في غير صوت اللي زي تهاني مصدق إنه نفذ بجلده من هنا تقوليلي تفتكرنا ما إن ولجت لداخل استقبال الفندق الفخم حتى انبهرت نظراتها بما أبصرته في البهو الفسيح وراحت تستكشف بعينين فضوليتين ما يحيط بها من لوحات إبداعية وتصاميم مميزة وديكورات زاخرة كل ما حولها أشار إلى الرقي والثراء الفاحش سارت تهاني على بلاط أملس ويلمع كالزجاج فخشيت أن يخدشه كعب حذائها لذا كانت تتحرس كثيرل في مشيها وتحاول أن تبدو خفيفة الخطى رأت كيف يتعامل كل من يقابل مهاب بوقار وتقدير وكأنه أحد أهم النزلاء هنا وضعت على وجهها ابتسامة صغيرة ناعمة ونظرت إليه بنظرة حالمة كم تمنت حقا أن تظل هكذا ملتصقة به فتعامل كالملكات دوما اصطحبهما أحد العاملين بالفندق عبر الردهة إلى القاعة المقام بها المؤتمر وهناك رأت ما فاق مخيلتها من تجهيزات عالية منصة كبيرة في المقدمة مزدانة بمفرش أبيض اللون بالإضافة لطاولات مستديرة وضع فوقها باقات ورد بيضاء اللون بداخل مزهريات زجاجية رفيعة كما رص على الأسطح الأطباق الفارغة عند رأس كل مقعد والكؤوس وأطباق المقبلات لحظتها جال ببالها ما اعتادت على حضوره من مؤتمرات عادية في قاعات خانقة تعج بأشخاص غرباء غير مهتمين بمظهرهم الخارجي وهم إما ما بين مدخن وبين متعرق فكانت لا تطيق البقاء أو الانتظار لأكثر من نصف ساعة كانت المقارنة غير عادلة بالمرة فشتان الفارق بين المكانين أحست بيد مهاب تتلمس ظهرها من جديد فنظرت إليه وهي ترفرف بجفنيها لتجده يشير لها بعينيه ليتجها إلى حيث الطاولة المخصصة لهما كانت في المقدمة تقريبا وقبل أن تجلس سحب المقعد في لطافة لتشكره بتهذيب وتستقر عليه أجلت أحبال صوتها واستطردت في تحمس وهي تتجول بعينيها على الحضور المتناثر هنا وهناك أنا أول مرة أحضر حاجة بالشكل ده رمقها بنظرة طويلة تحوي شيئا غامضا وهو يخبرها مؤكدا من جديد عليها ومش هتكون الأخيرة حاولت ألا تبدو متلهفة لمشاركته حياة الترف وتساءلت عن طبيعة الأجواء فاستفاض موضحا الفاعليات هنا مفيدة وفي مجلات علمية ونشرات بتصدر عن أحدث حاجة موجودة دلوقتي في تخصصات الطب المختلفة في استحسان مهتم هزت رأسها معلقة كويس جدا اقترب أحد الندلاء من الطاولة حاملا في يده زجاجة من الشمبانيا الفاخرة قام بنزع غطائها وأفرغ القليل في كأس مهاب بينما أشارت له تهاني بالتوقف قبل أن يقترب من كأسها ليضعها بعدئذ في دلو معدني صغير تساءل في وقار سيدي هل أحضر لكما شيئا آخرا حرك مهاب رأسه بالنفي فانصرف منتقلا لطاولة أخرى ليقوم بخدمتها في حين تهيأت تهاني لاستئناف الحديث معه لكن جاءت إحدى السيدات إليهما وهي تتساءل في صوت مرتفع مفعم بالحرارة د مهاب أهذا أنت افترت شفتاها عن دهشة مستنكرة فالمرأة كانت ترتدي ثوبا قصيرا للغاية من اللون الأسود ذي حملات رفيعة على الكتفين أما ظهره فكان مكشوفا حتى خصرها بالكاد يصلح للارتداء جاء رده على نفس الدرجة من التقارب الودي الشديد وأنا مثلك اضطرت تهاني أن تتحاشى النظر إليهما لئلا تزداد ضيقا جراء ما يحدث فنظرت إلى ما سواهما بينما تطلعت إليه ديبرا بنظرة بعد نحنحة سريعة مصحوبة بنظرة خاطفة تجاه تهاني أشكرك سألته في نبرة مهتمة وهي تضع يدها على رابطة عنقه لتضبطها هل ستبقى جميع أيام المؤتمر أم أنك ستحضر الافتتاح فقط قال بعد
صمت لحظي لا أعلم بالضبط أحس بلهيب الشوق يندفع مع نبرتها فعقب بهدوء