حكاية رحلة اثام بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز

الأبيض عنها لتخفض ساقيها باحثة عن حذائها لترتديه كم شعرت بالخجل حين رأت كيف يبدو مظهره في قدميها وضيعا رخيصا لا يليق بها بلعت غصة مريرة في حلقها والتفتت للجانب عندما سألها مهاب مهتما قوليلي في حد موجود يوصلك نهضت واقفة وهي تجيبه أنا هشوف مواصلة ترجعني السكن ثم تقدمت نحو الباب بعدما علقت حقيبتها على كتفها لكن مهاب في التو تحرك صوبها ليعترض طريقها ويستوقفها بجسده قائلا بصيغة شبه آمرة ويده مرفوعة قليلا في الهواء أنا هوصلك في طريقي تمسكت برفضها قائلة لا مايصحش كفاية إني عطلت حضرتك وضيعت وقتك أطلت من عينيه لمعة ماكرة أتبعها قوله المليء بالإصرار أنا مصمم اعترضت بحرج بس آ وضع هذه الابتسامة المرسومة بعناية على زاوية فمه قبل أن يقاطعها بهدوء لكنه يضم الحزم مش هاقبل بالرفض انصاعت صاغرة له وأطرقت رأسها حياء رغم أنها في أعماقها كانت تبتهج سعادة لكونها كأنثى أصبحت ذات تأثير وإن كان ما زال محدودا على صنف أمثاله من الرجال تعمدت أن تسير على مهل لتستطيل مدة مشيهما معا فتتمكن من الحديث معه أكثر وتستعلم منه عما لا تعرفه بعد توقفت بجوار سيارته فراحت تتأملها بعينين منبهرتين فقد ابتاع الطراز الأحدث من هذا النوع شتت نظراتها عنها عندما تكلم أحدهم بصوت مرتفع ولافت من مسافة قريبة منهما لا مش ممكن الدنيا فعلا زي ما بيقولوا صغيرة استدارت لتنظر تجاه صاحب الصوت المألوف فرأت ممدوح قبالتها يمد يده لمصافحتها وهو يسألها باسما إزيك يا دكتورة تهاني توترت للحظة واختطفت نظرة سريعة تجاه مهاب قبل أن ترد وهي تمد يدها تجاهه أهلا بحضرتك يا دكتور ممدوح حل القليل من الوجوم المشوب بالضيق على قسمات وجه مهاب وتساءل باستغراب إيه ده هو إنتو تعرفوا بعض ضحك مستمتعا قبل أن يخبره بتلميح لئيم كان متأكدا أنه سيثير نزعته التملكية طبعا دكتورة بالرقة دي صعب تتنسى رمشت بعينيها مرددة ببسمة مجاملة شكرا لذوقك غام وجه مهاب وبدا وكأنه غير راض عما قيل فتوجست خيفة من إنهاء معرفته بها قبل أن تتوطد جيدا لكونه يظن أنها على علاقة بغيره لذا حاولت تفسير الموقف من تلقاء نفسها بقولها الموضح هو احنا فعلا اتقابلنا صدفة في المطار لما كنت جاية على هنا مال ممدوح ناحيتها قليلا ليضيق عينيه معقبا في عبثية غير مريحة وأنا شكلي هحب الصدف اللي دايما بتجمعنا ببعض صراع البقاء للأقوى لاح بينهما خاصة فيما يخص تأثيرهما على الصنف الناعم فأضاف مهاب هو الآخر مبتسما ابتسامة لا معنى لها نسيت أقولك يا دكتورة تهاني ممدوح ده صاحبي من زمان عشرة عمر تحرك الأخير من موضعه ليقف مجاورا ل مهاب ضم كتفيه بذراعه وتبسم قائلا طبعا احنا يعتبر أكتر من الإخوات ما بنفرقش بعض إلا قليل أوي وكل حاجة تقريبا بنعملها سوا أزاح مهاب ذراعه عنه وأعاد ضبط سترته وياقة قميصه ليستأنف ممدوح كلامه الموجه إلى تهاني متسائلا في فضول محير بس إيه لم الشامي على المغربي يعني آخر مكان كنت أتوقع أشوفك فيه هنا استفاضت مجيبة أنا تدريبي هنا في المستشفى ود مهاب شافني تعبانة شوية فساعدني سدد ممدوح نظرة موحية ذات بعد مفهوم لرفيقه وهو يعقب طول عمره بيحب عمل الخير وما يتأخرش عنه أبدا لا يعرف إن كان يقصد بكلماته تلك مدحا أم ذما أم سخرية مبطنة لكن مهاب تجاوز عنها ليقول في شيء من الرسمية بينا يا دكتورة عشان أوصلك ترتاحي في التو اعترض ممدوح طريقهما ليستوقفهما قائلا بعبوس مصطنع إيه ده هتمشي كده من غير ما نقوم معاها بواجب الضيافة إنت عاوزها تقول علينا يا مهاب بخلا تفاجأت تهاني من اقتراحه لم تكن مستعدة للذهاب بهذه الهيئة لذا حاولت الاعتذار مرددة بحرج لا مافيش داعي خالص أنا آ رفع سبابته أمام وجهها مقاطعا إياها بإصرار رغم لطافة نبرته مش هاقبل بالرفض ده حتى زي ما بيقولوا عندنا في مصر يبقى بينا عيش وملح ثم خاطب مهاب مبتسما عيب نكسف ضيفتنا نفخ في سأم وسأله هتودينا فين يا ممدوح بما إنك الخبير هنا أجابه بعد صمت خفيف في مطعم تحفة فاتح قريب من هنا الكل بيشكر فيه إيه رأيكم نجربه مط فمه قليلا وعلق في شيء من التحدي معنديش مانع بس الحساب عندك دون تفكير قبل بالعرض مردفا ونظراته كلها صوب ضيفتهما وماله إكراما للدكتورة تهاني انحنت تنظر بعينين متأففتين لرفوف الثلاجة الفارغة ثم مدت يدها لتمسك بعلبة بلاستيكية انتزعت غطائها واشتمت ما بداخلها فأصيبت بالاشمئزاز وانقلبت معدتها شاعرة بالغثيان استقامت ابتهال واقفة بعدما أغلقت الباب لتمشي بالعلبة تجاه سلة القمامة أفرغت محتوياتها بداخلها ثم اتجهت نحو الحوض لتغسلها وهي تحادث نفسها بعفوية عاوزين نشوفلنا أي بقالة قريبة مننا أنا عارفة بيسموها إيه وضعت العلبة جانبا بعد تنظيفها وهي لا تزال تتكلم بصوت مسموع المهم نجيب منها حاجات تنفع تتاكل بدل ما الواحد بيفضل على لحم بطنه كده بالساعات جففت كلتا يديها في جانبي قميص البيت الذي ترتديه وقالت بإيماءة خفيفة من رأسها المفروض الحساب يكون بالنص ما أنا مش هاكل لواحدي هي أكيد هتجوع زيي اختمرت الفكرة برأسها وتحمست لتنفيذها قائلة بتصميم لما ترجع أبقى أكلمها سارت نحو الشرفة نظرت من خلف الزجاج بعدما أزاحت الستارة قليلا وتساءلت في تحير بس هي اتأخرت ولا أنا اللي جوع مخليني أحس إن الوقت طويل كانت مأخوذة ومبهورة بكل ما يحدث معها في مباراة جذبها لاتخاذ جانب أحد الطرفين لم تنكر أنها شعرت بالانتشاء لرؤية كليهما يتباريان عليها رغم معرفتها المحدودة بهما نحت شكوكها جانبا متجاوزة عن الطريقة المراوغة والمٹيرة التي يتخذاها معها والتي تحفز شعور الاسترابة بداخلها إلا أنها منحت التبرير المنطقي لنفسها بأن مثلهما لا يقارنان بمن عرفت سابقا من ذوي التطلعات المحدودة والقدرات المادية المعډومة هما أكثر تباهيا وغطرسة وهذا ما أثار اهتمامها بهما لم تكن لتقبل بحياة الشقاء والعوز مما دعم بقوة اختيارها المستقبلي في حصر المنافسة بينهما عادت إلى الطاولة الجالس عليها ثلاثتهم بعد أن ضبطت هيئتها بحمام المطعم لتجدهما في انتظارها وقائمة الطعام موضوعة أمام موضع جلوسها نهض مهاب ليسحب المقعد قليلا حتى تجلس فابتسمت لطريقته المهذبة في التعامل معها كسيدة راقية أمسكت بالقائمة بيدين ترتعشان قليلا خاصة حينما وقعت نظراتها على الأسعار شتت تركيزها اللحظي صوت ممدوح حين خاطبها اطلبي اللي عاوزاه يا دكتورة هزت رأسها مواقفة وهي تزين وجهها ببسمة لطيفة فتابع بمكر وهو يختطف نظرة سريعة نحو مهاب كأنما يتعمد إغاظته ولو حابة نصيحتي جربي الطبق ده هيعجبك جدا ثم أشار بإصبعه نحو أحد الأصناف فقالت وهي تغلق القائمة طالما ده رأي حضرتك فأنا واثقة فيه كان مهاب يصغي إليهما بملامح فاترة كاشفا حيلة رفيقه المفهومة لاستدراجه نحو المنافسة عليها فكلاهما يتشاركان في سمة غير طيبة الإيقاع بالنساء واللعب على مشاعرهن المرهفة لجرهن نحو شباك العشق أغلق قائمة الطعام واضعا إياها جانبا وعلق باسما ممدوح في الأكل ما يتوصاش عارف إيه الصنف المناسب اللي يعجبك وياخد العقل بادله الابتسام قائلا بلهجة فهم مضمونها خبرة بقى إكثار الحديث بهذه الطريقة أمامها قد يجعلها ترتاب وتتخذ حذرهما من كليهما لذا غير مهاب من مجرى الحوار وسألها في اهتمام قوليلي أخبار الدراسة إيه ردت بإيجاز ماشية الحمدلله انتصب بكتفيه مؤكدا عليها لو محتاجة مساعدة أو توصية فأنا موجود معارفي هنا كتير علق عليه ممدوح فيما بدا وكأنه حسدا طبعا نفوذ وسلطة وكل حاجة سأله مستفهما بمزاح دي غيرة ولا حقد لم يخف عليه نواياه عندما أفصح الاتنين ضحك مهاب عاليا فاندهشت تهاني من ردة فعله توقعت أن يغضب أن يظهر انزعاجه لكنه كان هادئا للغاية سجالهما التنافسي ليس معتادا عليها في هذه الأوساط فتساءلت وعلامات الحيرة تغطي ملامحها هو إنتو على طول كده زي ترددت قبل أن تختتم جملتها بحرج ناقر ونقير شرح لها مهاب ببساطة وهو يميل بجسده ناحيتها ما أنا قولتلك احنا عشرة عمر اتربينا وكبرنا سوا قالت وهي تخفض بصرها متحرجة من اقترابه اللافت ربنا يديم الصداقة دي بينكم مرة ثانية وعند هذا القرب سألها مهاب في صوت جاد ونظراته المهتمة تحتويها مرتاحة في السكن ولا تحبي نكلملك حد يغيرلك المكان شعرت وكأن الحظ يبتسم لها يفتح ذراعيه لاستقبالها فمن النادر أن يتودد أحد الأثرياء لفتاة فقيرة شبه معدمة لا تملك من متع الدنيا سوى حظا في التعليم وقدرا معقولا من الجمال بالكاد حافظت على تحمسها وحمحمت مرددة بحرج لأ كله تمام أكد لها بنفس النبرة مش كلام صدقيني أنا كلمتي مسموعة هنا أحس ممدوح أن كفة المنافسة تميل لصالح خصمه فصاح منهيا ما بينهما من حوار جانبي بيتهيألي ننادي على الجرسون عشان جوعنا اعتدل مهاب في جلسته وقال مسترخيا وماله اطلب لنا على ذوقك يا ممدوح أراح ظهره للخلف مثله وأخبره بهذه الابتسامة اللئيمة أكيد وأنا ذوقي دايما مميز ومختلف خشيت أن تهوي من سماء أحلامها الوردية على أرض الحياة الواقعية فيكسر قلبها ويتحطم ما نشأ بداخلها ظلت تكتم ما يضرم في صدرها من مشاعر متلهفة وأحاسيس متصارعة داعية الله سرا أن يحدث المراد وتلقى القبول ما إن جاءتها البشرى حتى أطلقت العنان لحنجرتها لتزغرد بلا توقف وكما لم تفعل من قبل حذرتها عقيلة من الإسراف في التعبير عن فرحتها بقولها الجاد يا بت استني لما الموضوع يكمل داري على شمعتك كل ما فات وانقضى من عمرها قبل هذه اللحظة الفارقة لم تحزن عليه فقد غلبت عليها فرحتها وأنستها ما مرت به من شعور جارح بالنفور والإهمال لذا باحت لها بلا تردد يامه مش قادرة أمسك نفسي ده أنا الفرحة مش سيعاني مرة ثانية شددت عليها پخوف بدل ما تتحسدي تفهمت مقصدها وقالت على مضض ربنا يستر ويكملها على خير ومضة خاڤت صدحت في عقلها لتذكرها بلقائها العفوي معه فتخيلت نفسها إلى جواره كزوجته المخلصة يلاطفها ويتودد إليها ويملأ أذنيها بمعسول الكلمات ليستطيب قلبها لم تشعر بابتسامتها وهي تتشكل بوضوح على محياها ولم تبددها كذلك تركتها تزيد من الإشراقة التي أنارت وجهها وجعلتها تبدو أصغر من عمرها أتفعل الفرحة بالمحب ذلك أتبدل حاله من
شيء لآخر قفزت في مكانها تطلب من أمها بحماس
تم نسخ الرابط